أبقى بنك كريدي سويس، أحد البنوك العالمية السويسرية، على توقعاته السلبية بشأن النظرة المستقبلية لسعر صرف الجنيه.
يأتي ذلك بسبب تراجع تدفقات موارد النقد من بعض مصادرها واتجاهها للسوق السوداء للعملات الأجنبية.
وتوقع كريدي سويس، في ورقة بحثية جديدة له بعنوان (استراتيجية مصر أغسطس 2023) ، انخفاض قيمة الجنيه بنحو 20%، وقال: “في أعقاب هذا التحرك مباشرة يمكن أن تتجاوز العملة هذا الرقم بسهولة. وبالمقارنة، يقوم السوق حاليًا بتخفيض قيمة العملة بنسبة 40% تقريبًا”.
كان كريدي سويس توقع في مايو الماضي، عبر ورقة بحثية أخرى، أن يشهد الجنيه خفضا جديدا خلال الـ 3 شهور التالية للتقرير إلى مستوى بين 45 و50 جنيهاً قبل أن يتعافى بنسبة 25% و30% على مدار فترة 12 شهراً، في حال نجاح الحكومة في إحراز تقدم في برنامج الإصلاح الاقتصادي.
لكن الدولة لم تتجه نحو هذا الإجراء خلال الفترة المذكورة في التقرير (وحتى الآن)، بل استبعدت ذلك في الشهر التالي، وهو ما أشار إليه الرئيس عبد الفتاح السيسي في أحد المؤتمرات منتصف يونيو الماضي، ملمحا لما فيه من خطر لخفض الجنيه على تكاليف المعيشة المرتفعة بالفعل مع مستويات قياسية لمعدلات التضخم في الشهور الأخيرة
ويعد التمسك بنظام مرونة سعر الصرف، أحد أهم مطالب صندوق النقد الدولي، ضمن الاتفاق المرتبط به مع مصر منذ ديسمبر الماضي للتعاون في تنفيذ برنامج للإصلاح الاقتصادي عمره 46 شهرا ويموله بقيمة 3 مليارات دولار، وأجل الصندوق مراجعته الأولى للبرنامج من مارس، ومن المفترض أن يجري المراجعة الثانية هذا الشهر حسب جدول المراجعات ضمن وثيقة الاتفاق.
كانت الحكومة خفضت سعر الجنيه 3 مرات منذ مارس 2022، بما أدى إلى ارتفاع الدولار بنسبة 96% في مقابله متجاوزاً مستوى 30 جنيهاً حالياً، لكن هذه الخطوات لم تنعكس إيجاباً بالشكل المتوقع على أزمة نقص العملات الأجنبية التي تعاني منها منذ نحو عام ونصف، وهو ما دفع سعر الصرف للاستقرار منذ منتصف مارس الماضي لاحتواء التضخم المشتعل.
وكشفت بيانات البنك المركزي، في يوليو الماضي، عن تراجع تدفقات العملات الأجنبية من 5 مصادر أساسية خلال أول 9 أشهر من العام المالي الماضي بنحو 3.75 مليار دولار، وذلك بسبب تراجع حصيلة الصادرات بنسبة سنوية 4% إلى 31.1 مليار دولار، وتحويلات المصريين العاملين في الخارج بنسبة 26.1% إلى نحو 17.5 مليار دولار.
وبحسب كريدي سويس، لا يزال توقيت أي تخفيض لقيمة العملة “غير مؤكد إلى حد كبير”، لكن البنك يرى من وجهة نظره، أن ذلك “أمر لا مفر منه” لأن الوضع الراهن غير مستدام ودعم صندوق النقد الدولي مشروط به.
ورجح البنك أن الاستثمار الأجنبي المباشر المستهدف وتدفقات المحافظ الاستثمارية سيكون من الصعب للغاية تحقيقه دون تخفيض قيمة العملة.
ولدى البنك قلقا قائمًا من أنه كلما تأخرت الحكومة في مثل هذه الخطوة، كلما كانت نتيجة تخفيض قيمة العملة أكبر وأكثر تقلبًا، بحسب كريدي سويس.
وأضاف أن الجمع بين نطاق التداول الضيق للجنيه المصري منذ أبريل الماضي والتأخير الطويل لعملية الخصخصة يعطي مؤشرا قويا على أن الحكومة غير راغبة في المضي قدما في تنفيذ المتطلبات الكاملة لعملية الإصلاح.
وقال البنك إن الوضع الحالي يذكره بقوة البيئة مشيرا إلى الفترة التي سبقت تخفيض قيمة العملة في نوفمبر 2016، والذي حدث فقط عندما أصبح من الواضح أن الحكومة ليس لديها بدائل أخرى.
كانت مصر بدأت في التحول إلى سعر صرف حر في 3 نوفمبر 2016، مع بدء تنفيذ برنامج سابق للإصلاح الاقتصادي مدعوم من صندوق النقد الدولي بقيمة 12 مليار دولار، بهدف ضبط سعر الصرف والقضاء على الدولرة.
ويعتقد البنك أن مخاطر التخلف عن سداد الديون يظل حدثًا منخفض الاحتمال في المستقبل المنظور، نظرًا للدعم القوي من مؤسسات الإقراض والحلفاء السياسيين.
المصدر : موقع متناهي